فصل: تفسير الآيات (33- 36):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (نسخة منقحة)



.سورة الأحزاب:

.تفسير الآية رقم (1):

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (1)}
{يا أيها النبي اتق الله} اثبت على تقوى الله، ودُمْ عليه {ولا تطع الكافرين والمنافقين} وذلك أنَّ الكافرين قالوا له: ارفض ذكر آلهتنا، وقل: إنَّ لها شفاعةً ومنفعةً لمن عبدها، ووازَرَهم المنافقون على ذلك {إنَّ الله كان عليماً} بما يكون قبل كونه {حكيماً} فيما يخلق.

.تفسير الآيات (4- 14):

{مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ (4) ادْعُوهُمْ لِآَبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آَبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (5) النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا (6) وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا (7) لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا (8) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا (9) إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا (11) وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا (12) وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا (13) وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآَتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا (14)}
{ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه} هذا تكذيبٌ لبعض مَنْ قال من الكافرين: إنَّ لي قلبين أفهم بكلِّ واحدٍ منهما أكثر ممَّا يفهم محمد، فأكذبه الله تعالى. قيل: إنَّه ابن خطل {وما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن أمهاتهم} لم يجعل نساءكم اللائي تقولون: هنَّ علينا كظهور أمهاتنا في الحرام كما تقولون، وكان هذا من طلاق الجاهليَّة، فجعل الله في ذلك كفَّارة {وما جعل أدعياءكم} مَنْ تبنَّيتموه {أبناءكم} في الحقيقة كما تقولون {ذلكم قولكم بأفواهكم} قولٌ بالفم لا حقيقة له {والله يقول الحق} وهو أنَّ غير الابن لا يكون ابناً {وهو يهدي السبيل} أَيْ: السَّبيل المستقيم.
{ادعوهم لآبائهم} أَيْ: انسبوهم إلى الذين ولدوهم {هو أقسط عند الله} أعدل عند الله {فإن لم تعلموا آباءهم} مَنْ هم {فإخوانكم في الدين} أي فهم إخوانكم في الدِّين {ومواليكم} وبنو عمّكم. وقيل: أولياؤكم في الدِّين {وليس عليكم جناج فيما أخطأتم به} وهو ن يقول لغير ابنه: يا بنيَّ من غير تَعَمُّدٍ أن يجريه مجرى الولد في الميراث، وهو قوله: {ولكن ما تعمَّدت قلوبكم} يعني: ولكنَّ الجُناح في الذي تعمَّدت قلوبكم.
{النبيُّ أولى بالمؤمنين من أنفسهم} إذا دعاهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم إلى شيءٍ، ودعتهم أنفسهم إلى شيءٍ كانت طاعة النبيِّ صلى الله عليه وسلم أولى. {وأزواجه أمهاتهم} في حرمة نكاحهنَّ عليهم {وأولوا الأرحام} والأقارب {بعضهم أولى ببعض} في الميراث {في كتاب الله} في حكمه {من المؤمنين والمهاجرين} وذلك أنَّهم كانوا في ابتداء الإِسلام يرثون بالإِيمان والهجرة {إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفاً} لكن إن يوصوا له بشيءٍ من الثُّلث فهو جائزٌ {كان ذلك في الكتاب مسطوراً} كان هذا الحكم في اللَّوح المحفوظ مكتوباً.
{وإذا أخذنا} واذكر إذ أخذنا {من النبيّين ميثاقهم} على الوفاء بما حملوا، وأن يُصدِّق بعضهم بعضاً.
{ليسأل الصادقين عن صدقهم} المُبلِّغين من الرُّسل عن تبليغهم، وفي تلك المسألة تبكيتٌ للكفَّار {وأعدَّ للكافرين} بالرُّسل {عذاباً أليماً}.
{يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود} يعني: الأحزاب، وهم قريش وغطفان وقُريظة والنَّضير، حاصروا المسلمين أيَّام الخندق {فأرسلنا عليهم ريحاً} وهي الصَّبا كفأت قدورهم، وقلعت فساطيطهم {وجنوداً لم تروها} وهم الملائكة {وكان الله بما يعملون} من حفر الخندق {بصيراً}.
{إذ جاؤوكم من فوقكم} من قبل المشرق، يعني: قُريظة والنَّضير، {ومن أسفل منكم} قريشٌ من ناحية مكَّة {وإذ زاغت الأبصار} مالت وشخصت، وتحيَّرت لشدَّة الأمر وصعوبته عليكم {وبلغت القلوب الخناجر} ارتفعت إلى الحلوق لشدَّة الخوف {وتظنون به الظنونا} ظنَّ المنافقون أنَّ محمداً صلى الله عليه وسلم وأصحابه يُستأصلون، وأيقن المؤمنون بنصر اللَّهِ.
{هنالك} في تلك الحال {ابتلي المؤمنون} اختبروا ليتبيَّن المخلص من المنافق {وزلزلوا} وحرِّكوا وخُوِّفوا.
{وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض} شكٌّ ونفاقٌ: {ما وعدنا الله ورسوله إلاَّ غرورا} إذْ وعدنا أنَّ فارس والرُّوم يُفتحان علينا.
{وإذ قالت طائفة منهم} من المنافقين: {يا أهل يثرب} يعني: المدينة {لا مقام لكم} لا مكان لكم تُقيمون فيه {فارجعوا} إلى منازلكم بالمدينة، أمروهم بترك رسول الله صلى الله عليه وسلم وخذلانه، وذلك أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان قد خرج من المدينة إلى سلع لقتال القوم {ويستأذن فريقٌ منهم} من المنافقين {النبيَّ} في الرُّجوع إلى منازلهم {يقولون إنَّ بيوتنا عورة} ليست بحصينةٍ، نخاف عليها العدوِّ، قال الله تعالى: {وما هي بعورة إن يريدون إلا فراراً} من القتال.
{ولو دخلت عليهم} لو دخل عليهم هؤلاء الذين يريدون قتالهم المدينة {من أقطارها} جوانبها {ثمَّ سئلوا الفتنة} سألتهم الشِّرك بالله {لأتوها} لأعطوا مرادهم {وما تلبثوا بها إلاَّ يسيراً} وما احتبسوا عن الشِّرك إلا يسيراً، أَيْ: لأسرعوا الإجابة إليه.

.تفسير الآيات (15- 16):

{وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا (15) قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا (16)}
{ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل} عاهدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل غزوة الخندق {لا يولون الأدبار} لا ينهزمون عن العدوِّ {وكان عهد الله مسؤولاً} والله تعالى يسألهم عن ذلك العهد يوم القيامة.
{قل لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل} الذي كُتب عليكم {وإذاً لا تمتعون إلاَّ قليلاً} لا تبقون في الدُّنيا إلاَّ إلى آجالكم.

.تفسير الآيات (18- 30):

{قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا (18) أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (19) يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا (20) لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21) وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا (22) مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (23) لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (24) وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا (25) وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا (26) وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا (27) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (28) وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآَخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا (29) يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30)}
{قد يعلم الله المعوقين منكم} الذين يُعوِّقون النَّاس عن نصرة محمَّد عليه السَّلام، {والقائلين لإِخوانهم هلمَّ إلينا} يقولون لهم: خلُّوا محمداً صلى الله عليه وسلم فإنَّه مغرورٌ وتعالوا إلينا {ولا يأتون البأس إلاَّ قليلاً} لا يحضرون الحرب مع أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم إلاّ تعذيراً وتقصيراً، يرى أنَّ له عذراً ولا عذر له، يوهمونهم أنَّهم معهم.
{أشحة عليكم} بخلاء عليكم بالخير والنَّفقة {فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليكم تدور أعينهم} في رؤوسهم من الخوف كدوران عين الذي {يُغشى عليه من الموت} قَرُبَ أن يموت فانقلبت عيناه {فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد} آذوكم بالكلام وجادلوكم في الغنيمة {أشحة} بخلاء {على الخير} الغنيمة.
{يحسبون الأحزاب لم يذهبوا} لجبنهم وشدَّة خوفهم يظنون أنَّهم بعد انهزامهم لم ينصرفوا بعد {وإن يأت الأحزاب} يرجعوا كرَّةً ثانية {يودوا لو أنَّهم بادون في الأعراب} خارجون من المدينة إلى البادية في الأعراب {يسألون عن أنبائكم} أَيْ: يودوا لو أنَّهم غائبون عنكم يسمعون أخباركم بسؤالهم عنها من غير مشاهدة. قال الله تعالى: {ولو كانوا فيكم ما قاتلوا إلاَّ قليلاً} رياءً من غير حِسْبَةٍ، ولمَّا وصف الله تعالى حال المنافقين في الحرب وصف حال المؤمنين فقال: {لقد كان لكم} أيُّها المؤمنون {في رسول الله أسوة حسنة} سنَّةٌ صالحةٌ، واقتداءٌ حسنٌ حيث لم يخذلوه ولم يتولَّوا عنه، كما فعل هو صلى الله عليه وسلم يوم أُحدٍ شُجَّ حاجبه، وكُسرت رباعيته، فوقف صلى الله عليه وسلم ولم ينهزم، ثمَّ بيَّن لمَنْ كان هذا الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: {لمن كان يرجو الله واليوم الآخر} أَيْ: يخافهما.
{ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا} تصديقاً لوعد الله تعالى: {هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله} ووعدُ الله تعالى إيَّاهم في قوله: {أمْ حسبْتُم أن تدخلوا الجنَّة ولمَّا يأتكم مثَلُ الذين خلوا مِنْ قبلِكم مسًّتهم البأساءُ والضَّراء وزُلزلوا حتَّى يقولَ الرَّسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إِنَّ نصر الله قريبٌ} فعلموا بهذه الآية أنَّهم يُبتلون، فلمَّا ابتلوا بالأحزاب علموا أنَّ الجنَّة والنَّصر قد وجبا لهم إن سلَّموا وصبروا، وذلك قوله: {وما زادهم إلاَّ إيماناً} وتصديقاً بالله ورسوله {وتسليماً} لله أمره.
{من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله} كانوا صادقين في عهودهم بنصرة النبيِّ صلى الله عليه وسلم {فمنهم من قضى نحبه} فرغٍ من نذره واستُشهد. يعني: الذين قُتلوا بأُحدٍ {ومنهم مَنْ ينتظر} أن يقتل شهيداً {وما بدلوا تبديلاً} عهدهم، ثمَّ ذكر جزاء الفريقين فقال: {ليجزي الله الصادقين بصدقهم...} الآية.
{وردَّ الله الذين كفروا} قريشاً والأحزاب {بغيظهم} على ما فيهم من الغيظ {ولم ينالوا خيراً} لم يظفروا بالمسلمين {وكفى الله المؤمنين القتال} بالرِّيح والملائكة.
{وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب} الذين عاونوا الأحزاب من قريظة {من صياصيهم} حصونهم، وذلك أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم حاصرهم، واشتدَّ ذلك عليهم حتى نزلوا على حكمه، وذلك قوله تعالى: {وقذف في قلوبهم الرعب فريقاً تقتلون} يعني: الرِّجال {وتأسرون فريقاً} يعني: النِّساء والذُّريَّة. وقوله: {وأرضاً لم تطؤوها} يعني: خيبر، ولم يكونوا نالوها، فوعدهم الله تعالى إيَّاها.
{يا أيها النبيُّ قل لأزواجك..} الآية. نزلت حين سألت نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً من عرض الدُّنيا، وآذْينَهُ بزيادة النَّفقة، فأنزل الله سبحانه هذه الآيات، وأمره أن يُخيِّرهنَّ بين الإِقامة معه على طلب ما عند الله، أو السِّراح إن أردْنَ الدُّنيا، وهو قوله: {إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكنَّ} متعة الطَّلاق، فقرأ عليهنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآيات، فاخترن الآخرة على الدُّنيا، والجنَّة على الزِّينة، فرفع الله سبحانه درجتهنَّ على سائر النِّساء بقوله: {يا نساء النبيّ مَنْ يأت منكنَّ بفاحشة مبيِّنة} بمعصيةٍ ظاهرةٍ {يضاعف لها العذاب ضعفين} ضعفي عذاب غيرها من النِّساء.

.تفسير الآيات (31- 32):

{وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا (31) يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا (32)}
{ومن يقنت} يطع {نؤتها أجرها مرَّتين} مثلي ثواب غيرها من النِّساء {وأَعتدنا لها رزقاً كريماً} يعني: الجنَّة. وقوله: {فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض} أَيْ: لا تقلن قولاَ يجد منافقٌ به سبيلاً إلى أن يطمع في موافقتكنَّ له. وقوله: {وقلن قولاً معروفاً} أَيْ: قلن بما يوجبه الدِّين والإِسلام بغير خضوعٍ فيه بل بتصريحٍ.

.تفسير الآيات (33- 36):

{وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآَتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33) وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا (34) إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (35) وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا (36)}
{وقرن في بيوتكن} أمرٌ لهنَّ من الوقار والقرار جميعاً {ولا تبرجن} ولا تُظهرن المحاسن كما كان يفعله أهل الجاهليَّة، وهو ما بين عيسى ومحمد صلوات الله عليهما. {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس} وهو كلُّ مُستَنكرٍ ومُستقذَرٍ من عملٍ {أهل البيت} يعني: نساء النبيِّ صلى الله عليه وسلم ورجال أهل بيته.
{واذكرن ما يتلى في بيوتكنَّ من آيات الله} يعني: القرآن {والحكمة} يعني: السُّنَّة.
{إنَّ المسلمين والمسلمات...} الآية. قالت النِّساء: ذكر الله تعالى الرِّجال بخيرٍ في القرآن، ولم يذكر النِّساء بخيرٍ، فما فينا خيرٌ يُذكر، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
{وما كان لمؤمن ولا مؤمنة...} الآية. نزلت في عبد الله بن جحش وأخته زينب، خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم على مولاه زيد بن حارثة، وظنَّت أنَّه خطبها لنفسه، فلمَّا علمت أنًّه يريدها لزيدٍ كرهت ذلك، فأنزل الله تعالى: {وما كان لمؤمن} يعني: عبد الله بن جحش {ولا مؤمنة} يعني: أخته زينب {إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم} أَيْ: الاختيار، فأعلم أنَّه لا اختيار على ما قضاه الله ورسوله، وزوَّجها من زيدٍ، ومكثت عنده حيناً، ثمَّ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى زيداً ذات يومٍ لحاجة، فأبصرها قائمةً في درعٍ وخمارٍ، فأعجبته وكأنَّها وقعت في نفسه، وقال: سبحان الله مُقلِّب القلوب، فلمَّا جاء زيدٌ أخبرته بذلك، وأُلقي في نفس زيدٍ كراهتها، فأراد فراقها، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني أريد أن أفارق صاحبتي؛ فإنَّها تؤذيني بلسانها.